الصيام مدرسة شاملة ، تربية روحية وخلقية ، ومقوم للسلوك ، ومعين
على الرقابة والمحاسبة الذاتية ، ومن موجبات التكافل الإجتماعى ، كما أن
فيه منافع اقتصادية ، وبجانب هذا ، فإنه وقاية وعلاج لكثير من الأمراض
النفسية والبدنية ولقد أثبت ذلك علماء الطب فى العالم ، وهذا شريطة أن يصوم
المسلم الصيام الحقيقى بعيداً عن الإسراف والتبذير فى الطعام والشراب
ولاسيما الدهون والحلويات ونحوها ، وصدق الله العظيم العالم بخلقه إذ يقول :
" وأن تصوموا خيرُُ لكم إن كنتم تعملون " ( البقرة : 184 ) .
الصيام علاج للأمراض النفسية : يعتبر
الصوم من أهم وسائل علاج النفس من العديد من أمراضها مثل القلق والاكتئاب
والغضب والصخب والإثارة والتى تسمى عند علماء الطب بالأمراض النفسية .
فالصائم لله عز وجل ، القارئ للقرآن ، والقائم بالليل
والمستغفر بالأسحار ، والمتبتل بالدعاء إلى الله عز وجل ، ترتاح نفسيته ،
ويشعر بالاطمئنان والفرح ، ويكون قليل الانفعال والغضب ملتزماً بوصايا رسول
الله e الذى يقول : " إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن شاتمه
أحد أو قاتله فليقل إني أمرؤ صائم ( متفق عليه )
ومن ناحية أخرى ، يساعد الصيام في العلاج من الأمراض النفسية ومن
بعض الأمراض البدنية ، ولذلك نجد كثيراً من الأطباء يوصون المرضى بالتقليل
من الأطعمة والمشروبات وعدم الانفعال حتى يمكن أن يحقق الدواء فعاليته.
وفى هذا الخصوص يقول الدكتور محمد حافظ الأطرونى أستاذ
الطب النفسى بالجامعات المصرية :" إن الصوم يعالج أحد الاختلالات النفسية
للمسلم إذا توافرت له قوة الإرادة ...والصوم يترك فى نفس المسلم الثقة
والسكينة والأمن ، ويباعد بينه وبين التنافس المحموم على متاع الدنيا " .
الصوم علاج لاضطرابات المعدة
والأمعاء : من أسباب الاضطرابات المزمنة فى الأمعاء - كما يقول
الأطباء - تخمر المواد الزلالية والنشوية ، وعدم الانتظام فى الطعام
والشراب ، وهذا يعالج بالصوم حيث الانتظام فى الوجبات وعدم الشرب بينها ،
كما أن التقليل من شرب المياه الغازية والمكيفات والدخان يساهم مساهمة
فعالة فى استقرار المعدة والأمعاء .
وفى
هذا يقول الدكتور فاروق عزت أستاذ الجهاز الهضمى بجامعة المنصورة ، فالصيام
يحمى الصائم من عسر الهضم والنزلات المعوية ، كما يساعد الكبد على التخلص
من دهونه الزائدة ، وبالتالى يحمى الجسد من السمنة وزيادة نسبة الكوليسترول
فى الدم الأمر الذى يعد وقاية من أمراض القلب وتصلب الشرايين والقولون
العصبى .
ويؤكد ذلك الدكتور حامد
الغوابى حيث قال " فإن كان هناك اضطرابات فى المعدة والأمعاء مصحوبة بتخمر
فى المواد الزلالية والنشوية كان الصوم علاجاً ناجحاً حيث يقصر الطعام فيه
على أكلتين فى اليوم بأكلة عند الغروب وتستريح المعدة من هذا الوقت إلى
السحور ثم تستريح لغروب ثانى يوم فترة أخرى ـ وهذه الراحة علاج ناجح فى
تطهير الأمعاء " ( نقلاً عن كتاب شهر رمضان فضله وصيامه للأستاذ محمد
الدهان )
الصوم علاج
لمرض زيادة ضغط الدم والذبحة الصدرية: من
أهم أسباب أمراض زيادة ضغط الدم ، والانفعالات النفسية ، والبدانة ( زيادة
السمنة ) ، الإسراف فى الطعام والشراب ولا سيما الأطعمة الدهنية الدسمة .
ومن علاج ذلك المرض ، الصوم حيث الارتياح والهدوء وعدم
الرفث والصخب فنجد الصائم فى صفاءٍ روحى مع الله ، ذاكراً ، قائماً ،
ساجداً ، راكعاً ، تالياً ، قانتاً ، متبتلاً ، يشغل نفسه بالتزكية
والطهارة ، كما أن الصوم يعالج البدانة والتى هى من أسباب إصابة الإنسان
بتصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية ومرض السكر .
وفى هذا الخصوص يقول الدكتور نصر عرفات الأستاذ بكلية
طب بنها ، أن البدانة التى يصاحبها زيادة كبيرة فى نسبة الدهون فى الدم
تؤدى إلى إصابة الإنسان بتصلب الشرايين ، والذى يؤدى بدوره إلى إرتفاع ضغط
الدم والذبحة الصدرية ، والصيام علاج لمشكلة البدانة .
الصيام علاج لمرضى البول السكرى: من أسباب مرض البول السكرى ، زيادة الوزن والسمنة ،
وهذا ناتج من كثرة أكل الأطعمة ذات الدهون العالية وأنواع الحلوى ، فالصوم
له أثر فعال فى علاج ذلك المرض ، حيث أن قلة الغذاء ، والاعتدال فى الإفطار
والسحور يقلل من الوزن وهذا بدوره يقلل من مسببات مرض البول السكرى .
وفى هذا الخصوص يقول الدكتور عبد العزيز إسماعيل رحمه
الله أن البول السكرى فى مدته الأولى وقبل ظهوره يكون مصحوباً غالباً
بزيادة الوزن ، فهنا يكون الصيام علاجاً نافعاً ، إذ أن السكر يهبط مع قلة
السمنة ، ويهبط السكر فى العادة بعد الأكل بخمس ساعات إلى أقل من الحد
الطبيعى فى حالات البول السكرى الخفيف ، وبعد عشر ساعات إلى أقل من الحد
الطبيعى بكثير .
الصيام
علاج لمشكلة تكوين الحصوات: إذا كان
الجسد من طبيعته تكوين الحصوات ، والرواسب الجيرية والتى تسبب أمراض فى
الكلية ، فالصوم يقلل من ذلك ، بل يساعد الجسد على تحللها ، كما أنه يعالج
الالتهاب الحاد والمزمن والمصحوب بارتشاح وتورم .
ولقد أكد ذلك العديد من المرضى المصابون بهذه الأمراض ، وكذلك
العديد من الأطباء ، فعلى سبيل المثال يقول الدكتور حامد الغوابى بأن الصوم
يعالج التهاب الكلى إذا صحبه ارتشاح وتورم .
الصيام وعلاج الأمراض الجلدية : من
الأسباب الرئيسية لبعض الأمراض الجلدية مثل الأرتكاريا وحب الشباب ،
الإسراف فى تناول بعض الأطعمة ولاسيما المملوءة بالدهون ومنها على سبيل
المثال الشكولاته والأيس كريم واللب والسودانى .
والصوم والابتعاد عن تناول هذه الأطعمة بين الوجبات يساعد فى علاج
العديد من تلك الأمراض .
وفى هذا
الخصوص يقول الدكتور محمد عبد المنعم عبد العال رئيس قسم الأمراض الجلدية
والتناسلية بجامعة الأزهر :إن المرضى يستفيدون من شهر رمضان فى علاج مرض
الارتكاريا أو الحساسية والتى من أسبابها تناول أطعمة معينة مثل الموز
والشكولاته والطماطم والملح بكثرة ، فإذا صام المريض عن الأطعمة وجعل
إفطاره بسيطاً خالياً من هذه المواد ، فقد يتخلص من الأرتيكاريا .
أمراض يجوز على المريض بها أن يفطر
: لقد من الله عز وجل على المسلمين إذ أجاز لبعض المرضى الإفطار إذا كان
الصوم يسبب مضاعفات ، وهذا من تيسير الله على عباده ، فيقول رب العزة
والحكمة : " فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من
أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ( البقرة : 185 )
فالمريض والمسافر يباح لهما الإفطار مع وجوب القضاء ،
إذا كان الصوم يضرهما يستشار الطبيب المسلم فى هذا الشأن ، أما المريض الذى
لا يرجى شفاؤه ، فعليه الفدية وهى طعام مسكين عن كل يوم ، ومن أمثلة هؤلاء
الشيوخ الضعفاء والمرضى الذين لايرجى شفاؤهم .
هذه رخصة من الله عز وجل للمرضى ويجب على المريض الذى أمره الطبيب
أن يفطر عدم الصوم ، ولا يشق على نفسه ، فالله عز وجل يحب أن تؤتى رخصة
كما تؤتى عزائمه .
ولقد ذهب أكثر رجال
الفقه الإسلامى إلى أن المرض المبيح للفطر هو الذى يؤدى إلى ضرر فى النفس
أو زيادة فى العلة ، لأن المقصد من الرخصة للمريض هى التيسير وليس المشقة ،
ويستشار فى ذلك الطبيب المسلم .
ومن
الأمراض التى تستوجب أن يفطر المسلم كما ذكرها العلم فى الطب الثقات ما يلى
:
*المرضى بالتليف
الشديد فى الكبد أو الالتهاب الكبدى المزمن ، لأن الإنسان يحتاج
لطاقة من الطاقة المخزونة بالجسم ، وعندما يصوم الإنسان فهو يستهلك ذلك
المخزون عن طريق الكبد ، وهؤلاء المرضى لا تستطيع أكبادهم القيام بمهمة
التعويض بسبب نقص وظائفها ( د. نصر عرفات - طب بنها ) .
* المرضى بقرحة الإثنى عشر : هؤلاء
المرضى يعانون من إرتفاع نسبة الحموضة ، والجوع هنا يساعد على إفراز الحامض
نفسه ، وهنا تحتك القرحة بالحامض فيزداد الألم ، لذا هؤلاء المرضى يحتاجون
إلى أطعمة معينة للإقلال من نسبة الحامض ( د. نصر عرفات (
*المرضى بالسكر المزمن : حيث
يحتاجون لأنواع معينة من الطعام على فترات قليلة وهذا يصعب معه الصيام ،
أما مرضى السكر البسيط ، فالصيام هام لهم ، لأن الإقلال من تناول الطعام
وتحديد نوعياته عندما يكون المرض فى بدايته يساعد على عودة السكر إلى معدله
الطبيعى .
* الأمراض
الحادة الشديدة التى تتميز بارتفاع درجة الحرارة أو التى يجب على
المريض أن يأخذ المضادات الحيوية فى أوقات معينة أو الأمراض المزمنة مثل
مرض ذو الفقاعة ومرض الئبة الحمراء .
*الأمراض المنهكة للقوى كالسل والأنيميا وأمراض الصدر
والرئتين وهبوط القلب ، وكذلك النزلات المعوية التى يصاحبها قيئ وإسهال
لأنها تحتاج إلى كمية كبيرة من الماء والسوائل ، والحميات لأنها تستلزم
الإكثار من شرب الماء ( د. محمد جعفر ) .
*وبصفة
عامة فإن أى مريض يجب أن يستشير طبيب مسلم ثقة عن حالته : هل يصوم أم يفطر
؟ وفى ضوء ما يقرره هذا الطبيب يكون أحد الاحتمالات الأتية:
أن يصوم لأنه يستطيع ذلك وذلك فى الوعكات الخفيفة .
أن يفطر ويقضى فى أيام أخر .
أن يفطر لأن المرض مزمن لا يرجى شفاؤه وعليه الفدية